فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {تلك من أنباء الغيب} الآية إشارة إلى القصة، أي هذه من الغيوب التي تقادم عهدها ولم يبق علمها إلا عند الله تعالى، ولم يكن علمها أو علم أشباهها عندك ولا عند قومك، ونحن نوحيها إليك لتكون لك هداية وأسوة فيما لقيه غيرك من الأنبياء، وتكون لقومك مثالًا وتحذيرًا، لئلا يصيبهم إذا كذبوك مثل ما أصاب هؤلاء وغيرهم من الأمور المعذبة.
قال القاضي أبو محمد: وعلى هذا المعنى ظهرت فصاحة قوله: {فاصبر إن العاقبة للمتقين}، أي فاجتهد في التبليغ وجد في الرسالة واصبر على الشدائد واعلم أن العاقبة لك كما كانت لنوح في هذه القصة. وفي مصحف ابن مسعود: {من قبل هذا القرآن}. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الغيب} أي تلك الأنباء، وفي موضع آخر {ذلك} أي ذلك النبأ والقصص من أنباء ما غاب عنك.
{نُوحِيهَا إِلَيْكَ} أي لتقف عليها.
{مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ} أي كانوا غير عارفين بأمر الطوفان، والمجوس الآن ينكرونه.
{مِن قَبْلِ هذا} خبر أي مجهولة عندك وعند قومك.
{فاصبر} على مشاق الرسالة وإذاية القوم كما صبر نوح.
وقيل: أراد جهلهم بقصة ابن نوح وإن سمعوا أمر الطوفان (فإنه) على الجملة.
{فاصبر} أي اصبر يا محمد على القيام بأمر الله وتبليغ رسالته، وما تلقى من أذى العرب الكفار، كما صبر نوح على {أذى} قومه.
{إِنَّ العاقبة} في الدنيا بالظَّفر، وفي الآخرة بالفوز.
{لِلْمُتَّقِينَ} عن الشرك والمعاصي. اهـ.

.قال الخازن:

{تلك من أنباء الغيب} هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم يعني أن هذه القصة التي أخبرناك يا محمد من قصة نوح وخبر قومه من أنباء الغيب يعني من أخبار الغيب: {نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا} يعني من قبل نزول القرآن عليك.
فإن قلت إن قصة نوح كانت مشهورة معروفة في العالم فكيف قال ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا.
قلت: يحتمل أن يكون كانوا يعلمونها مجملة فنزل القرآن بتفصيلها وبيانها.
وجواب آخر وهو أنه صلى الله عليه وسلم كان أميًّا لم يقرأ الكتب المتقدمة ولم يعلمها وكذلك كانت أمته فصح قوله ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل نزول القرآن بها: {فاصبر} يا محمد على أذى مشركي قومك كما صبر نوح على أذى قومه: {إن العاقبة} يعني النصر والظفر على الأعداء والفوز بالسعادة الأخروية يعني للمؤمنين. اهـ.

.قال أبو حيان:

{تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ} تلك إشارة إلى قصة نوح، وتقدمت أعاريب في مثل هذا التركيب في قوله: {ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك} في آل عمران، وتلك إشارة للبعيد، لأنّ بين هذه القصة والرسول مددًا لا تحصى.
وقيل: الإشارة بتلك إلى آيات القرآن، ومن أنباء الغيب وهو الذي تقادم عهده ولم يبق علمه إلا عند الله، ونوحيها إليك ليكون لك هداية وأسوة فيما لقيه غيرك من الأنبياء، ولم يكن علمها عندك ولا عند قومك، وأعلمناهم بها ليكون مثالًا لهم وتحذيرًا أن يصيبهم إذا كذبوك ما أصاب أولئك، وللحظ هذا المعنى ظهرت فصاحة قوله: فاصبر على أذاهم مجتهدًا في التبليغ عن الله، فالعاقبة لك كما كانت لنوح في هذا القصة.
ومعنى ما كنت تعلمها: أي مفصلة كما سردناها عليك، وعلم الطوفان كان معلومًا عند العالم على سبيل الإجمال، والمجوس الآن ينكرونه.
والجملة من قوله: ما كنت في موضع الحال من مفعول نوحيها، أو من مجرور إليك، وقدرها الزمخشري تقدير معنى فقال: أي مجهولة عندك وعند قومك ويحتمل أن يكون خبرًا بعد خبر، والإشارة بقوله: من قبل هذا إلى الوقت أو إلى الإيحاء أو إلى العلم الذي اكتسبه بالوحي احتمالات، وفي مصحف ابن مسعود من قبل هذا القرآن.
وقال الزمخشري: ولا قومك معناه: أن قومك الذين أنت منهم على كثرتهم ووفور عددهم إذا لم يكن ذلك شأنهم، ولا سمعوه ولا عرفوه، فكيف برجل منهم كما تقول: لم يعرف هذا عبد الله ولا أهل بلده؟. اهـ.

.قال أبو السعود:

{تِلكَ} إشارةٌ إلى ما قُصّ من قصة نوحٍ عليه الصلاة والسلام إما لكونها بتقضّيها في حكم البعيدِ أو للدِلالة على بُعد منزلِتها، وهي مبتدأٌ خبرُه: {مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيبِ} أي من جنسها، أي ليست من قبيل سائرِ الأنباءِ بل هي نسيجُ وحدِها منفردةٌ عما عداها أو بعضِها: {نُوحِيهَا إِلَيكَ} خبرٌ ثانٍ والضمير لها أي مُوحاةٌ إليك أو هو الخبرُ، ومن أنباء متعلِّقٌ به، فالتعبير بصيغة المضارع لاستحضار الصورة أو حال من أنباء الغيب أي مُوحاةً إليك: {مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلاَ قَوْمُكَ} خبرٌ آخرُ أي مجهولةٌ عندك وعند قومِك: {مِنْ قَبْلِ هَذَا} أي من قبل إيحائِنا إليك وإخبارِك بها أو من قبل هذا العلمِ الذي كسبْتَه بالوحي أو من قبلِ هذا الوقتِ أو حالٌ من الهاء في نُوحيها، أو الكافِ في إليك، أي جاهلًا أنت وقومُك بها، وفي ذكر جهلِهم تنبيهٌ على أنه عليه الصلاة والسلام لم يتعلّمْه، إذا لم يخالِطْ غيرَهم وأنهم مع كثرتهم لم يعلموه فكيف بواحد منهم: {فَاصْبِر} متفرِّعٌ على الإيحاء أو العلمِ المستفادِ منه المدلولِ عليه بقوله: {ما كنت تعلمها أنت ولا قومُك من قبل هذا} أي وإذ قد أوحيناها إليك أو علمْتَها بذلك فاصبِرْ على مشاقّ تبليغِ الرسالةِ وأذيَّةِ قومِك كما صبر نوحٌ على ما سمعته من أنواع البلايا في هذه المدة المتطاولةِ، وهذا ناظرٌ إلى ما سبق من قوله تعالى: {فلعلك تاركٌ بعضَ مايوحى إليك} الخ: {إن العاقبة} بالظفر في الدنيا وبالفوز في الآخرة: {للمتقين} كما شاهدْتَه في نوحٍ عليه الصلاة والسلام وقومِه ولك فيه أسوةٌ حسنةٌ فهي تسليةٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعليلٌ للأمر بالصبر فإن كونَ العاقبةِ الحميدةِ للمتقين وهو في أقصى درجاتِ التقوى والمؤمنون كلُّهم مّتقون مما يسليه عليه الصلاة والسلام ويهوِّن عليه الخطوبَ ويُذهب عنه ما عسى أن يعتريَه من ضيق صدرِه، وهذا على تقدير أن يرادَ بالتقوى الدرجةُ الأولى منه أعني التوقّي من العذاب المخلدِ بالتبرؤ من الشرك، وعليه قوله تعالى: {وألزمَهم كلمةَ التقوى} ويجوز أن يراد الدرجةُ الثالثةُ وهو أن يتنزّه عما يشغل سِرَّه عن الحق ويتبتَّلَ إليه بشراشِره وهو التقوى الحقيقيُّ المطلوبُ بقوله تعالى: {اتقوا الله حقَّ تقاتِه} فإن التقوى بهذا المعنى منطوٍ على الصبر المذكورِ فكأنه قيل: فاصبر فإن العاقبةَ للصابرين. اهـ.

.قال الألوسي:

{تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ}
{تِلْكَ} إشارة إلى قصة نوح عليه السلام وهي لتقضيها في حكم البعيد، ويحتمل أنه أشير بأداة البعد إلى بعد منزلتها، وقيل: إن الإشارة إلى آيات القرآن وليس بذاك؛ وهي في محل الرفع على الابتداء، وقوله سبحانه: {مِنْ أَنبَاء الغيب} أي بعض أخباره التي لها شأن وكونها بعض ذلك باعتبار أنها على التفصيل لم تبق لطول العهد معلومة لغيره تعالى حتى إن المجوس على ما قيل: ينكرونها رأسًا، وقيل: إن كونها من الغيب لغير أهل الكتاب، وقد ذكر غير واحد أن الغيب قسمان: ما لا يتعلق به علم مخلوق أصلًا وهو الغيب المطلق، وما لا يتعلق به علم مخلوق معين وهو الغيب المضاف بالنسبة إلى ذلك المخلوق، وهو مراد الفقهاء في تكفير الحاكم على الغيب، وقوله سبحانه: {نُوحِيهَا} خبر ثان لتلك والضمير لها أي موحاة: {إِلَيْكَ} أو هو الخبر، و: {مِنْ أَنْبَاء} متعلق به، وفائدة تقديمه نفى أن يكون علم ذلك بكهانة أو تعلم من الغير، والتعبير بصيغة المضارع لحكاية الحال الماضية، أو: {مِنْ أَنْبَاء} هو الخبر، وهذا في موضع الحال من: {أَنْبَاء} والمقصود من ذكر كونها موحاة إلجاء قومه صلى الله عليه وسلم للتصديق بنبوته عليه الصلاة والسلام وتحذيرهم مما نزل بالمكذبين، وقوله تعالى: {مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ} خبر آخر أي مجهولة عندك وعند قومك: {مّن قَبْلِ هذا} أي الإيحاء إليك المعلوم مما مر، وقيل: أي الوقت، وقيل: أي العلم المكتسب بالوحي.
وفي مصحف ابن مسعود من قبل هذا القرآن ويحتمل أن يكون حالًا من الهاء في: {نُوحِيهَا} أو الكاف من: {إِلَيْكَ} أي غير عالم أنت ولا قومك بها، وذكر القوم معه صلى الله عليه وسلم من باب الترقي كما تقول: هذا الأمر لا يعلمه زيد ولا أهل بلده لأنهم مع كثرتهم إذا لم يعلموا ذلك فكيف يعلمه واحد منهم، وقد علم أنه لم يخالط غيرهم.
{فاصبر} متفرع على الإيحاء أو على العلم المستفاد منه المدلول عليه بما تقدم: {مّن قَبْلِ هذا} أي وإذ قد أوحيناها إليك أو علمتها بذلك فاصبر على مشاق تبليغ الرسالة وأذية قومك كما صبر نوح عليه السلام على ما سمعته من أنواع البلايا في هذه المدة المتطاولة، قيل: وهذا ناظر إلى ما سبق من قوله سبحانه: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يوحى إِلَيْكَ} [هود: 12] الخ: {إِنَّ العاقبة} بالظفر في الدنيا وبالفوز بالآخرة: {لّلْمُتَّقِينَ} كما سمعت ذلك في نوح عليه السلام وقومه، قيل: وهو تعليل للأمر بالصبر وتسلية له صلى الله عليه وسلم، والمراد بالتقوى الدرجة الأولى منها، وجوز أن يراد بها الدرجة الثالثة وهي بذلك المعنى منطوية على الصبر فكأنه قيل: فاصبر فإن العاقبة للصابرين، وقيل: الآية فذلكة لما تقدم وبيان للحكمة في إيحاء ذلك من إرشاده صلى الله عليه وسلم وتهديد قومه المكذبين له والله تعالى أعلم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ} استئناف أريد منه الامتنان على النبي صلى الله عليه وسلم والموعظة والتسلية.
فالامتنان من قوله: {ما كنت تعلمها}.
والموعظة من قوله: {فاصبر} إلخ.
والتّسلية من قوله: {إن العاقبة للمتقين}.
والإشارة بـ: {تلك} إلى ما تقدم من خبر نوح عليه السّلام، وتأنيث اسم الإشارة بتأويل أن المشار إليه القصة.
والأنباء: جمع نَبأ، وهو الخبر.
وأنباء الغيب الأخبار المغيبة عن الناس أو عن فريق منهم.
فهذه الأنباء مغيبة بالنسبة إلى العرب كلهم لعدم علمهم بأكثر من مجملاتها، وهي أنه قد كان في الزمن الغابر نبيء يقال له: نوح عليه السلام أصاب قومَه طوفان، وما عدا ذلك فهو غيب كما أشار إليه قوله: {ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا}، فإنهم لم ينكروا ذلك ولم يدّعوا علمه.
على أن فيها ما هو غيب بالنسبة إلى جميع الأمم مثل قصة ابن نوح الرابع وعصيانه أبَاه وإصابته بالغرق، ومثل كلام الرّب مع نوح عليه السّلام عند هبوطه من السفينة، ومثل سخرية قومه به وهو يصنع الفلك، وما دار بين نوح عليه السّلام وقومه من المحاورة، فإن ذلك كله مما لم يذكر في كتب أهل الكتاب.
وجملة: {من أنبَاء الغيب ونوحيها وما كنتَ تعلمها} أخبار عن اسم الإشارة، أو بعضها خبر وبعضها حال.
وضمير: {أنت} تصريح بالضمير المستتر في قوله: {تَعلمها} لتصحيح العطف عليه.
وعطف: {ولا قومك} من الترقي، لأن في قومه من خالط أهل الكتاب ومن كان يقرأ ويكتب ولا يعلم أحد منهم كثيرًا مما أوحي إليه من هذه القصة.
والإشارة بقوله: {مِن قبل هذا} إما إلى القرآن، وإما إلى الوقت باعتبار ما في هذه القصة من الزيادة على ما ذكر في أمثالها مما تقدم نزوله عليها، وإما إلى: {تلك} بتأويل النبأ، فيكون التذكير بعد التأنيث شبيهًا بالالتفات.
ووجه تفريع أمر الرسول بالصبر على هذه القصة أن فيها قياس حاله مع قومه على حال نوح عليه السّلام مع قومه، فكما صبر نوح عليه السّلام فكانت العاقبة له كذلك تكون العاقبة لك على قومك.
وخبر نوح عليه السّلام مستفاد مما حكي من مقاومة قومه ومن ثباته على دعوتهم، لأن ذلك الثبات مع تلك المقاومة من مسمى الصبر.
وجملة: {إن العاقبة للمتقين} علة للصبر المأمور به، أي اصبر لأن داعي الصبر قائم وهو أن العاقبة الحسنة تكون للمتقين، فستكون لك وللمؤمنين معك.
والعاقبة: الحالة التي تَعقب حالةً أخرى.
وقد شاعت عند الإطلاق في حالة الخير كقوله: {والعاقبة للتّقوى} [طه: 132].
والتعريف في: {العاقبة} للجنس.
واللام في: {للمتقين} للاختصاص والملك، فيقتضي ملك المتقين لجنس العاقبة الحسنة، فهي ثابتة لهم لا تفوتهم وهي منتفية عن أضدادهم. اهـ.

.قال الشعراوي:

{تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ}
وكلمة {تلك} إشارة وخطاب، والمخاطب هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتاء إشارة إلى السفينة وما تبعها من أنباء الغيب، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم معاصرًا لها ولا يعلمها هو، ولا يعلمها أحد من قومه.
وأنت يا رسول الله لم يُعلَم عنك إنك جلستَ إلى معلِّم، ولم يذكر عنك أنك قرأت في كتاب؛ ولذلك يأتي في القرآن: {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الغربي إِذْ قَضَيْنَا إلى مُوسَى الأمر} [القصص: 44].
وجاء: {وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} [آل عمران: 44].
إذن: فما دمتَ يا محمد لم تقرأ ولم تتعلَّم عن معلِّم فمَن علَّمك؟
إنما عَلَّمك الله سبحانه.
وكأن الله سبحانه وتعالى علَّم رسوله صلى الله عليه وسلم قصة نوح عليه السلام وأراد بها إلقاء الأسوة وإلقاء العبرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يثق بأن كل رسول إنما يصنع حركته الإيمانية المنهجية بعين من الله، وأنه سبحانه لن يسلِّمه إلى خصومة ولا أعدائه.
ولذلك يأتي القول الكريم: {فاصبر}؛ لأنك قد عرفت الآن نتيجة صبر نوح عليه السلام الذي استمر ألف سنة إلا خمسين، ويأتي بعدها قوله سبحانه: {إِنَّ العاقبة لِلْمُتَّقِينَ} [هود: 49].
تأتي بعد ذلك قصة قوم عاد بعد قصة نوح، ونحن نعلم أن الحق سبحانه وتعالى لا يُرسل رسولًا إلا إذا عَمَّ الفساد.
إذن: فقد حصلت الغفلة من بعد نوح، وانضمَّت لها أسوة الأبناء بالآباء فانطمس المنهج، وعزَّ على الموجودين أن يقيموه.
والله سبحانه وتعالى لا يبعث برسلٍ جُددٍ إلا إذا لم يوجد في الأمة من يرفع كلمة الله؛ لأننا نعلم أن المناعة الإيمانية في النفس الإنسانية قد تكون مناعة ذاتية، بمعنى أن الإنسان قد تُحدِّثه نفسه بالانحراف عن منهج الله، لكن النفس اللوَّامة تردعه وتردُّه إلى الإيمان.
أما إذا تصلَّبتْ ذاتُه، ولم توجد لديه نفس لوَّامة، فالمناعة الذاتية تختفي، ولكن قد يقوم المجتمع المحيط بِلَوْمِهِ.
ولكن إذا اختفت المناعة الذاتية، والمناعة من المجتمع فلابد أن يبعث ربُّ العزة سبحانه برسولٍ جديدٍ، وبيِّنة جديدة، وبرهان جديد.
هكذا حدث من بعد نوح عليه السلام. اهـ.